نتنياهو وترامب- رهان إسرائيل على الانتخابات الأميركية لتعزيز الهيمنة الإقليمية

في خضم الساعات الحاسمة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يبذل نتنياهو قصارى جهده للتأثير على مسارها، على الرغم من إعلان الجيش الإسرائيلي أن الهجوم الأخير الذي شنه على أهداف عسكرية إيرانية محدودة، ما هو إلا رد فعل انتقامي على الصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي في مطلع أكتوبر الماضي.
بكل استعجال، اتخذ نتنياهو وفريقه المقرب قرارًا بشن هجوم محدود على إيران قبل الانتخابات الأمريكية، وذلك انطلاقًا من رغبتهم في تأكيد مقولة لطالما رددها ترامب، مفادها أن العالم يشهد مزيدًا من الفوضى والاضطراب في ظل إدارة بايدن، وهو ما قد يعزز حظوظ حملة ترامب الانتخابية في الأمتار الأخيرة من السباق الرئاسي.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم
"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟
لكن ما الأسباب التي تجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يفضل المرشح الجمهوري، الرئيس السابق ترامب، على المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس؟
على الرغم من أن نتنياهو لم يعلن صراحة عن دعمه لمرشح بعينه في الانتخابات الأمريكية، وذلك لاعتبارات سياسية وتقاليد دبلوماسية تمنعه من ذلك، إلا أن المتتبع لمسيرة نتنياهو ومناوراته السياسية يدرك وجود العديد من المؤشرات والدوافع السياسية التي تدل على رغبة نتنياهو في ترجيح كفة ترامب في السباق الرئاسي.
وفي تصريح نادر لأحد قادة الحزب الديمقراطي، أشار السيناتور الأمريكي البارز كريس مورفي مؤخرًا إلى أن نتنياهو قد يكون لديه رغبة في التأثير على الانتخابات الرئاسية لصالح ترامب من خلال عرقلة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وكذلك من خلال تصعيده المفاجئ للحرب في لبنان.
استخفاف وابتزاز نتنياهو لإدارة بايدن
إن الطريقة التي يتعامل بها نتنياهو مع إدارة بايدن، سواء قبل أو أثناء الحرب في غزة ولبنان، تكشف عن استخفاف وابتزاز كبيرين.
ففي الوقت الذي تجاهل فيه نتنياهو بشكل واضح رغبة إدارة بايدن المترددة في تخفيف المعاناة الإنسانية في غزة بعد الأسابيع الأولى من الحرب، نتيجة لضغوط الجماعات الليبرالية داخل الحزب الديمقراطي وتصاعد حدة الغضب لدى بعض الجماعات الطلابية في الجامعات الأمريكية، أظهر نتنياهو في المقابل ابتزازًا سافرًا لإدارة بايدن، وذلك للحصول على الدعم العسكري المتواصل دون تقديم أي تنازلات تذكر للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.
لقد سعى بايدن جاهدًا ودون جدوى إلى حصر الصراع في قطاع غزة، وذلك لتجنب خروجه عن السيطرة في عام انتخابي هام في الولايات المتحدة، قبل أن يقرر لاحقًا الانسحاب من ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية، إلا أن نتنياهو كان يحمل أهدافًا ومآرب سياسية أخرى لا تأبه بالمستقبل السياسي لبايدن أو المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
استغل نتنياهو ضعف شخصية بايدن وتعاطفه المطلق مع الصهيونية في رفض التماسات الأخير بعدم دخول الجيش الإسرائيلي إلى مدينة رفح في غزة، بل وتجاوز نتنياهو ذلك بتوسيع نطاق استهداف آلة الدمار الإسرائيلية ليشمل لبنان واليمن وسوريا، والآن العمق الإيراني.
من جهة أخرى، انتقد ترامب إدارة بايدن لتحذيرها حكومة نتنياهو من اجتياح مدينة رفح وما قد يترتب على ذلك من كوارث إنسانية، وهو الأمر الذي تجاهله نتنياهو تمامًا. وأشاد ترامب بعدم امتثال نتنياهو لرغبة بايدن بشأن مدينة رفح، والتي لولاها، حسب زعمه، لما تمكن الجيش الإسرائيلي من اغتيال القائد العسكري الفلسطيني يحيى السنوار.
يحمل نتنياهو مشروعًا ضخمًا للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط والقضاء على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، بهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل بحيث لا تقوم للفلسطينيين ولا لدولتهم المستقبلية قائمة.
لقد شجع الخذلان العربي والإسلامي والصمت المخزي للمجتمع الدولي تجاه غزة والضحايا الفلسطينيين نتنياهو على تبني أفكار التيار اليميني المتطرف في توسيع دائرة الحرب وتكريس الهيمنة الإسرائيلية على منطقة الشرق الأوسط.
ويؤمن نتنياهو بقدرته على تمرير هذا المشروع الخطير على الأمن الإقليمي والعالمي تحت أنظار إدارة ترامب القادمة. وما يعزز من فرص نتنياهو في تحقيق هذه الأهداف هو تجاهل الرئيس السابق ترامب في خطاباته السياسية وبرنامجه الانتخابي الحالي الإشارة إلى قضايا حقوق الإنسان في العالم، وخاصة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
كما ينظر نتنياهو إلى كامالا هاريس باعتبارها امتدادًا لإدارة بايدن، بل وربما تكون أكثر تأثرًا باليسار الديمقراطي الأمريكي من الرئيس الحالي بايدن. لكن هذا لا يعني إطلاقًا أن فوز كامالا هاريس سيمثل خسارة للعلاقات الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، فستظل هاريس صديقة مخلصة لإسرائيل، ولا يضرها جحود ونكران نتنياهو لإحسان وأفضال إدارة بايدن غير المحدودة.
احتقار ترامب للمؤسسيّة الأميركية وتقاليدها
يبدو ترامب وكأنه أكثر الرؤساء الأمريكيين استخفافًا بالمؤسسة الأمريكية وتجاهلًا لأبعاد الاستراتيجيات العميقة في العلاقات الدولية والمصالح الأمريكية على المدى البعيد.
لقد تصرف ترامب بحمق عندما تجاهل تعامل رؤساء الولايات المتحدة السابقين مع قضية القدس في إطار الصراع العربي الإسرائيلي. فالقدس بالنسبة لترامب، ذي الخلفية المعروفة في تجارة العقارات، ليست سوى بلدة قديمة لا يجد حرجًا في الاعتراف بها عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل مقر السفارة الأمريكية إليها مقابل دعم الملياردير الأمريكي الصهيوني شيلدون أديلسون، والذي تقود أرملته حاليًا حملة مماثلة لنزع اعتراف ترامب بأحقية ضم إسرائيل للضفة الغربية مستقبلًا.
وينطبق الأمر ذاته على مرتفعات الجولان التي أقر ترامب بضمها لدولة إسرائيل في خطوة لا تخدم إطلاقًا مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بأي شكل من الأشكال، وتتعارض كذلك مع المواثيق والقرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن.
ولا عجب أيضًا في نظرة ترامب نحو غزة، فهو لا يراها سوى شريط ساحلي، كما صرح زوج ابنته اليهودي الأمريكي بذلك أيضًا، يمكن إخلاء سكانها الفلسطينيين منه وتحويلها إلى منتجعات وملاهي بحرية سياحية عالمية.
يتجاهل ترامب وصهره حقائق التاريخ وإرثه المرسوم على كل شبر من جغرافية فلسطين ليقررا بجهالة شأنها كما يشاءان، وكما يحلم ويتمنى نتنياهو في مشروعه التوسعي والاستيطاني اليميني المتطرف.
ويعتقد نتنياهو كذلك أن فوز ترامب بولاية ثانية سيمنحه حرية أكبر في مواجهة إيران وبرنامجها النووي، بل وربما استدراج الولايات المتحدة إلى حرب ضدها، وذلك بسبب العداء الشديد الذي يكنه ترامب للجمهورية الإسلامية.
فقد أقدمت إدارة ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة سلفه أوباما في خطوة غير مألوفة في الأعراف والاتفاقيات الدولية، إذ نادرًا ما ينقض رئيس أمريكي اتفاقًا دوليًا وقعت عليه إدارة أمريكية سابقة، دون مبررات ومسوغات قانونية وسياسية قوية لذلك.
كان ترامب أكثر جرأة من أسلافه الرؤساء الأمريكيين في استهداف قادة الجيش الإيراني، عندما اغتال الطيران الأمريكي في عملية عسكرية سافرة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في مطلع عام 2020. لذا، يرى نتنياهو أن إدارة ترامب القادمة، إذا حالفه الحظ في هذه الانتخابات، ستكون أكثر عداءً لإيران من إدارة هاريس، التي قد تحاول اتباع الوسائل والضغوط الدبلوماسية قدر الإمكان مع النظام الإيراني.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر ترامب الرئيس الأمريكي الوحيد في القرن الحادي والعشرين الذي حقق تقدمًا كبيرًا في تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، وذلك برعايته ودَفعه لتوقيع اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل وأربع دول عربية، دون تثبيت الحقوق الفلسطينية المشروعة المنصوص عليها في القرارات الدولية واتفاقيات السلام السابقة مثل أوسلو.
فليحلم نتنياهو بما يشاء وكيفما يشاء فيمن سيتولى رئاسة الولايات المتحدة، لكن من سيقرر مصير الشرق الأوسط في المستقبل هم أولئك الأطفال العزل في غزة وغيرهم من ضحايا العدوان الإسرائيلي الغاشم، الذين تحملوا أهوالًا تفوق قدرة الجبال ويشيب لها الولدان.